فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولنا أن نأخذ المثل الأعلى دائمًا من الكون الذي خلقه الله لنصونه، إن عادم وأثر وناتج أي شيء مخلوق لله يفيد الإنسان ويفيد الكون حتى فضلات الحيوان يُنتفع بها في تسميد الأرض وزيادة خصوبتها. وهكذا نعرف معنى: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
فالإيمان عمل القلب، والإصلاح عمل الجوارح، ولذلك يجب أن نصلح في الكون بما يزيد من صلاحه. ولنعلم أن الكون لم يكن ناقصًا وأننا بعملنا نستكمل ما فيه من نقص، ليس الأمر كذلك، ولكننا أردنا أن نترف في الحياة، وما دمنا نريد الترف فلنزد من عمل العقل المخلوق لله في المواد والعناصر التي أمامنا وهي المخلوقة لله. وأن نتفاعل معها بالطاقات والجوارح المخلوقة لله، ما دمنا نريد أن نتنعم نعيمًا فوق ضروريات الحياة.
ومثال ذلك أننا قديمًا وفي أوائل عهد البشرية بالحياة، كان الإنسان عندما يعاني من العطش، يشرب من النهر، وبعد ذلك وجد الإنسان أنه لا يسعد بالارتواء عندما يمد يده ليأخذ غرفة من ماء النهر، فصنع إناءً من فخار ليشرب منه الماء، ثم صنع إناءً من الصاج، ثم صنع إناء من البلور، فهل هذه الأشياء أثرت في ضرورة الحياة أو هي ترف الحياة؟
إنها من ترف الحياة. فإن أردت أن تترف حياتك فلتُعمل عقلك المخلوق لله في العناصر المخلوقة لله، بالطاقة والجوارح المخلوقة لله، وبذلك يهبك الله من الخواطر ما تستكشف به آيات العلم في الكون. ومثال ذلك: أن أهل الريف قديمًا كانوا يعتمدون على نسائهم ليملأن الجرار من الآبار أو الترع ثم تقوم سيدة البيت بترويق المياه. وعندما ارتقينا قليلًا، كان هناك من الرجال من يعمل في مهنة السقاية، ويمر بالقرب المملوءة بالماء على البيوت. وعندما قام أهل العلم بالاستنباط والاعتبار اكتشفوا قانون الاستطراق، فرفعوا المياه إلى خزانٍ عالٍ، وامتدت من الخزان مواسير وأنابيب مختلفة الأقطار والأحجام، وصار الماء موجودًا في كل منزل، هذا ما فعله الناس الذين استخدموا العقول المخلوقة لله.
وكان الناس من قبل ذلك يكتفون بالضروري من كميات المياه، فالأسرة كانت تكتفي بملء قربة أو قربتين من الماء، ولكن بعد أن صارت في كل منزل، أساء الكثير من الناس استخدام المياه، فأهدروا كميات تزيد عن حاجتهم، وتمثل ضغطًا على مواسير الصرف الصحي، فتنفجر ويشكو الناس من طفح المجاري.
إن على المسلم أن يرعى حق الله في استخدامه لكل شيء، فالماء الذي يهدره الإنسان قد يحتاج إليه إنسان آخر، وعندما نتوقف عن إهداره، نمنع الضرر عن أنفسنا وعن غيرنا من طفح مواسير الصرف الصحي. وليحسب كل منا- على سبيل المثال- كم يستهلك من مياه في أثناء الوضوء. إن الإنسان منا يفتح الصنبور ويغسل يديه ثلاثًا ويتمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويغسل ذراعيه ثلاثًا، ويمسح برأسه، ويغسل أقدامه. ويترك الإنسان الصنبور مفتوحًا طَوال تلك المدة فيهدر كميات من المياه، ولو فكر في حسن استخدام المياه التي تنزل من الصنبور لما اشتكى غيره من قلة المياه.
فلماذا لا يفكر المسلم في أن يأخذ قدرًا من المياه يكفي الوضوء ويحسن استخدام الماء؟ وكان الإنسان يتوضأ قديمًا من إناء به نصف لتر من الماء، فلماذا لا نحسن استخدام ما استخلفنا الله فيه؟
على الإنسان منا أن يعلم أن الإيمان كما يقتضي أو يوجب ويفرض الصلاة ليصلح الإنسان من نفسه، يقتضي- أيضًا- إصلاح السلوك فلا نبذر ونهدر فيما نملك من إمكانات، وأن ندرس كيفية الارتقاء بالصلاح، فلا نتخلص من متاعب شيء لنقع في متاعب ناتجة من سوء تصرفنا في الشيء السابق، بل علينا أن ندرس كل أمر دراسة محكمة حتى لا يدخل الإنسان منا في مناقضة قوله الحق: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36].
أي عليك أن تعرف أيها المسلم أنك مسئول عن السمع والبصر والقلب وستسأل عن ذلك يوم القيامة، لذلك لا يصح أن تتوانى عن الأخذ بأحسن العلم ليحسن قولك وفعلك. وبذلك لا يكون هناك خوف عليك في الدنيا أو الآخرة؛ لأنك آمنت وأصلحت، وأيضًا لا حزن يمسك في الدنيا ولا في الآخرة: {فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
إنك بذلك تصون نفسك في الآخرة وفي الدنيا أيضًا؛ لأنك تسير في الحياة بإيمان وتصلح في الدنيا متبعًا قوانين الله. وإن رأيت أيها المسلم متعبة في الكون فاعلم أن حكمًا من أحكام الله قد عطِّل، إن رأيت فقيرًا جائعًا أو عريانًا فاعلم أن حقًا من حقوقه قد أكله أو جحده غيره؛ لأن الذي خلق الكون، خلق ما يعطيه الغني من فائض عنه للفقير ليسد عوزه، لكن الغني قبض يده عن حق الله، وأيضًا جاء قوم يتسولون بغير حاجة للتسول، والفساد هنا إنما يأتي من ناحيتين: ناحية إنسان استمرأ أن يبني جسمه من عرق غيره، أو من إنسان آخر غني لا يؤدي حق الله في ماله، بذلك يعاني المجتمع من المتاعب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} حالٌ من {المرسلين}، وفي هذه الحال معنى الغَلَبة، أي: لم نرسلهم لأن نقترح عليهم الآيات، بل لأن يبشروا وينذروا.
وقرأ إبراهيم، ويحيى: {مُبْشِرين} بالتخفيف، وقَدْ تقدَّم أن أبْشَرَ لغة في بَشَّر.
قوله: {فَمَنْ آمَنَ} يجوز في {مَنْ} أن تكون شَرْطِيَّةً، وأن تكون مَوْصُولةً، وعلى كلا التقديرين فَمَحَلُّهَا رفع بالابتداء.
والخبر {فلا خَوْفَ} فإن كانت شَرْطِيَّة، فالفاء جواب الشَرْط، وإن كانت مَوْصُولةً فالفاء زائدة لشبه الموصول بالشرط، وعلى الأول يكون مَحَلُّ الجملتين الجَزْمَ، ولعى الثاني لا مَحَلِّ للأولى وممحل الثانية الرفع، وحمل على اللفظ فأفرد في {آمن} و{أصْلَحَ}، وعلى المعنى فجمع في {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون}، ويُقَوِّي كونها موصولة مقابلتها بالموصول بعدها في قوله: {والذين كَذَّبُواْ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (49):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين حال المصلحين، أتبعه حال المفسدين فقال: {والذين كذبوا بآياتنا} أي على ما لها بنسبتها إلينا من العظمة {يمسهم العذاب} أي الدائم المتجدد، وكني عن قربه بأن جعل له قوة المس، كأنه حي مريد فقال: {بما كانوا} أي جبلة وطبعًا {يفسقون} أي يديمون الخروج مما ينبغي الاستقرار فيه من الإيمان وما يقتضيه، وأما الفسق العارض فإن صاحبه يصدر التوبة منه فيعفى عنه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{والذين كَذَّبُواْ بآياتنا يَمَسُّهُمُ العذاب} ومعنى المس في اللغة التقاء الشيئين من غير فصل.
قال القاضي: إنه تعالى علل عذاب الكفار بكونهم فاسقين، وهذا يقتضي أن يكون كل فاسق كذلك، فيقال له هذا معارض بما أنه خص الذين كذبوا بآيات الله بهذا الوعيد وهذا يدل على أن من لم يكن مكذبًا بآيات الله أن لا يلحقه الوعيد أصلًا.
وأيضًا فهذا يقتضي كون هذا الوعيد معللًا بفسقهم فلم قلتم أن فسق من عرف الله وأقر بالتوحيد والنبوّة والمعاد، مساو لفسق من أنكر هذه الأشياء؟ والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وأوعد الذين سلكوا طريق النذارة فكذب بآيات الله، وفسق أي خرج عن الحد في كفرانه وعصيانه، وقال ابن زيد: كل فسق في القرآن فمعناه الكذب، ذكره عنه الطبري مسندًا و{يمسهم} أي يباشرهم ويلصق بهم، وقرأ الحسن والأعمش {العذاب بما} بإدغام الباء في الباء، ورويت عن أبي عمرو، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش {يفسِقون} بكسر السين وهي لغة. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله عز وجل: {والذين كَذَّبُواْ} عطفٌ على مَنْ آمن داخلٌ في حكمه وقوله تعالى: {بآياتنا} إشارة إلى أن ما ينطِقُ له الرسلُ عليهم السلام عند التبشير والإنذار ويبلّغونه إلى الأمم آياتُه تعالى، وأن من آمن به فقد آمن بآياته تعالى، ومن كذب به فقد كذب بها، وفيه من الترغيب في الإيمان والتحذيرِ عن تكذيبه ما لا يخفى. والمعنى ما نرسل المرسلين إلا ليُخبروا أممهم من جهتنا بما سيقع منا من الأمور السارّة والضارّة لا ليُوقعوها استقلالًا من تلقاء أنفسهم، أو استدعاءً من قِبَلِنا، حتى يقترحوا، فإذا كان الأمرُ كذلك فمن آمن بما أَخبروا به من قبلنا تبشيرًا أو إنذارًا في ضمن آياتنا، وأصلح ما يجب إصلاحُه من أعماله، أو دخل في الصلاح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا التي بُلِّغوها عند التبشير والإنذار {يَمَسُّهُمُ العذاب} أي العذاب الذي أُنذِروه عاجلًا، أو آجلًا، أو حقيقةُ العذاب وجنسُه المنتظمُ له انتظامًا أوليًا {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} أي بسبب فسقهم المستمر الذي هو الإصرارُ على الخروج عن التصديق والطاعة. اهـ.

.قال في روح البيان:

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بآياتنا} وهي ما ينطق به الرسل عليهم السلام عند التبشير والإنذار ويبلغونه إلى الأمم.
{يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ} الأليم وأسند المس إلى العذاب مع أن حقه أن يسند إلى الإحياء لكونه من الأفعال المسبوقة بالقصد، والاختيار على طريق الاستعارة بالكناية فجعل كأنه حي يطلب إيلامهم والوصول إليهم {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي: بسبب فسقهم المستمر الذي هو الإصرار على الخروج عن التصديق والطاعة. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين كَذَّبُواْ بآياتنا} أي التي بلغتها الرسل عليهم الصلاة والسلام عند التبشير والإنذار، وقيل: المراد بها نبينا صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ والأول هو الظاهر، والموصول مبتدأ وقوله تعالى: {يَمَسُّهُمُ العذاب} خبره والجملة عطف على {فَمَنْ ءامَنَ} [الأنعام: 48] إلخ.
والمراد بالعذاب العذاب الذي أنذروه عاجلًا أو آجلًا أو حقيقة العذاب وجنسه المنتظم لذلك انتظامًا أوليًا؛ وفي جعله ماسًا إيذان بتنزيله منزلة الحي الفاعل لما يريد ففيه استعارة مكنية على ما قيل.
وجوز الطيبي أن يكون في المس استعارة تبعية من غير استعارة في العذاب، والظاهر أن ما ذكر مبني على أن المس من خواص الأحياء.
وفي البحر أنه يشعر بالاختيار، ومنع ذلك بعضهم، وادعى عصام الملة أنه أشير بالمس إلى أن العذاب لا يأخذهم بحيث يعدمهم حتى يتخلصوا بالهلاك وله وجه.
{بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} أي بسبب فسقهم.
نعم أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن كل فسق في القرآن معناه الكذب، ولعله في حيز المنع وخروجهم المستمر عن حظيرة الإيمان والطاعة، وقد يقال: الفاسق لمن خرج عن التزام بعض الأحكام لكنه غير مناسب ههنا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المسُّ حقيقته مباشرة الجسم باليد وهو مرادف اللمس والجسّ، ويستعار لإصابة جسم جسمًا آخر كما في هذه الآية.
وقد تقدّم في قوله تعالى: {ليَمَسَّنّ الذين كفروا منهم عذاب أليم} في سورة [المائدة: 73].
ويستعار أيضًا للتَّكيّف بالأحوال كما يقال: به مسّ من الجنون.
قال تعالى: {إنّ الذين اتَّقوا ءا مسَّهم طائف من الشيطان تذكَّروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201].
وجمع الضمائر العائدة إلى (مَنْ) مراعاة لمعناها، وأمَّا إفراد فعل {آمن} و{أصلح} فلرعي لفظها.
والباء للسببية، و(ما) مصدرية، أي بسبب فسقهم.
والفسق حقيقته الخروج عن حدّ الخير.
وشاع استعماله في القرآن في معنى الكفر وتجاوز حدود الله تعالى.
وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى: {وما يضلّ به إلاّ الفاسقين} في سورة [البقرة: 26].
وجيء بخبر (كان) جملة مضارعية للإشارة إلى أنّ فسقهم كان متجدّدًا متكرّرًا، على أنّ الإتيان بـ (كان) أيضًا للدلالة على الاستمرار لأنّ (كان) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلَّت على استمرار الخبر بالقرينة، كقوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيما} [النساء: 96]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}.
والذين كذبوا بآيات الله هم إما من كذب الرسول في الآيات الدالة على صدقه وهو المبلغ عن الله، وهؤلاء دخلوا في دائرة الكفر. وإمّا هم الذين كذبوا بآيات المنهج، فلم يستخدموا المنهج على أصوله وانحرفوا عن الصراط المستقيم والطريق السوي. وهؤلاء وهؤلاء قد فسقوا، أي خرجوا عن الطاعة، ونعلم أن كلمة الفسق مأخوذة من خروج الرطبة عن قشرتها عندما يصير حجمها أصغر مما كانت عليه لاكتمال نضجها. والذي يفسق عن منهج الله هو الذي يقع في الخسران؛ لأن منهج الله هدفه صيانة الإنسان المخلوق لله ب افعل كذا ولا تفعل كذا.
إن الإنسان يفسق عندما لا يفعل ما أمره الله أن يفعله، أو يفعل ما نهاه الله عن أن يفعله. ونجد الإنسان منا يخاف على جهاز التسجيل أو جهاز التليفزيون من أن يفسد فيتبع القواعد المرعية لاستخدامه. فلا يمد- مثلًا- جهازًا من الأجهزة الكهربية بنوعية من الطاقة غير التي يحددها الصانع، فإن قال لصانع: استخدم كهرباء مقدارها مائتان وعشرون فولتًا حتى لا تفسد الآلة فالإنسان ينصاع لما قاله الصانع، فما بالنا بالإنسان، إن الله- جلت قدرته- خلق الإنسان ووضع له قوانين صيانته. إذن فمن يفسد في قوانين صيانة نفسه يمسه العذاب، وكلمة يمسهم الذعاب تعطي وتوحي بأن العقوبة تعشق أن تقع على المجرم، كأن العذاب سعى إليه ليناله ويمسه وها هوذا قول الحق عن النار. {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك: 8].
وهو سبحانه القائل عن النار: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30].
إذن فالعقوبة نفسها حريصة على أن تنفذ إلى من أساء. ولذلك يلح العذاب في أن يمس الذين فسقوا. ويأتي الحق هنا بكلمة المس لحكمة، ذلك أن عقوبة الله لا تقارن بعقوبة البشر.
فالإنسان يعاقب إنسانًا بمقياس قدرته وقوته، وليس لأحد من الخلق أن يتمثل قدرة الله في العذاب، ولذلك يكفي المس فقط، لأن التعذيب يختلف باختلاف قدرة المعذِّب، فلو نسبنا التعذيب إلى قدرة الله لكان العذاب رهيبًا لا طاقة لأحد عليه. اهـ.